سورة الأنفال - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
{وَلاَ تَوَلَّوْاْ} قرئ بطرح إحدى التاءين وإدغامها، والضمير في {عَنْهُ} لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنّ المعنى: وأطيعوا رسول الله كقوله: الله ورسوله أحق أن يرضوه، ولأنّ طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 8] فكأن رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما، كقولك: الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان. ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة، أي: ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه. أو ولا تتولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالفوه {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا} أي ادّعوا السماع {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} لأنهم ليسوا بمصدّقين فكأنهم غير سامعين. والمعنى: أنكم تصدّقون بالقرآن والنبوة، فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها، كان تصديقكم كلا تصديق، وأشبه سماعكم سماع من لا يؤمن. ثم قال: {إِنَّ شَرَّ الدواب} أي إن شر من يدب على وجه الأرض. أوإنّ شر البهائم الذين هم صمّ عن الحق لا يعقلونه، جعلهم من جنس البهائم، ثم جعلهم شرّها {وَلَوْ عَلِمَ الله} في هؤلاء الصم البكم {خَيْرًا} أي انتفاعاً باللطف {لأسْمَعَهُمْ} للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين، ثم قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} عنه. يعني: ولو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف، فلذلك منعهم ألطافه. أو ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا، وقيل: هم بنو عبد الدار بن قصي لم يسلم منهم إلا رجلان: مصعب بن عمير، وسويد بن حرملة: كانوا يقولون: نحن صم بُكم عُمي عما جاء به محمد، لا نسمعه ولا نجيبه، فقتلوا جميعاً بأحد، وكانوا أصحاب اللواء.
وعن ابن جريج: هم المنافقون.
وعن الحسن: أهل الكتاب.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}
{إِذَا دَعَاكُمْ} وحد الضمير كما وحده فيما قبله، لأن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاستجابته، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، والمراد بالاستجابة. الطاعة والامتثال. وبالدعوة: البعث والتحريض. وروى أبو هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك عن إجابتي؟ قال: كنت أصلي. قال: ألم تخبر فيما أوحي إليّ {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} قال: لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك» وفيه قولان، أحدهما: إن هذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير، وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته {لِمَا يُحْيِيكُمْ} من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أنّ الجهل موت. ولبعضهم:
لاَ تُعْجِبَنَّ الْجَهُولَ حُلَّتُه *** فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنُ
وقيل لمجاهدة الكفار، لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم، كقوله: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} [البقرة: 179] وقيل للشهادة، لقوله: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ} [آل عمران: 169]. {واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} يعني أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله {واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة. وقيل: معناه إنّ الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه، ويغير نياته ومقاصده، ويبدله بالخوف أمناً وبالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً، وبالنسيان ذكراً، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى. فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا، والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر، وبينه وبين الكفر إذا آمن، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وقيل معناه: أنه يطلع على كل ما يخطره المرء بباله، لا يخفي عليه شيء من ضمائره، فكأنه بينه وبين قلبه. وقرئ: {بين المرّ} بتشديد الراء. ووجهه أنه قد حذف الهمزة وألقى حركتها على الراء، كالخب، ثم نوى الوقف على لغة من يقول: مررت بعمر.


{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)}
{فِتْنَةً} ذنبا. قيل هو إقرار المنكر بين أظهرهم. وقيل: افتراق الكلمة. وقيل: {فِتْنَةً} عذاباً. وقوله: {لاَّ تُصِيبَنَّ} لا يخلو من أن يكون جواباً للأمر. أو نهياً بعد أمر. أو صفة لفتنة، فإذا كان جواباً، فالمعنى إن إصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم وهذا كما يحكى أن علماء بني إسرائيل نُهوا عن المنكر تعذيراً فعمهم الله بالعذاب، وإذا كانت نهياً بعد أمر فكأنه قيل: واحذروا ذنباً أو عقاباً، ثم قيل: لا تتعرضوا للظم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول، كأنه قيل: واتقوا فتنة مقولاً فيها لا تصيبنَّ، ونظيره قوله:
حَتَّى إذَا جَنَّ الظَّلاَمُ وَاخْتَلَط *** جَاءُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئْبَ قَطْ
أي بمذق مقول فيه هذا القول، لأنه سمار فيه لون الورق التي هي لون الذئب. ويعضد المعنى الأخير قراءة ابن مسعود: {لتصيبنّ}، على جواب القسم المحذوف.
وعن الحسن: نزلت في عليّ وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة. قال الزبير: نزلت فينا وقرأناها زماناً، وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها.
وعن السدي: نزلت في أهل بدر فاقتتلوا يوم الجمل.
وروي: (أن الزبير كان يساير النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، إذ أقبل عليّ رضي الله عنه، فضحك إليه الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف حبك لعليٍّ؟ فقال يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إني أحبه كحبي لوالدي أو أشدّ حباً. قال: فكيف أنت إذا سرت إليه تقاتله)، فإن قلت: كيف جاز أن يدخل النون المؤكدة في جواب الأمر؟ قلت: لأنّ فيه معنى النهي، إذا قلت: أنزل عن الدابة لا تطرحك، فلذلك جاز لا تطرحنك ولا تصيبنّ ولا يحطمنكم.
فإن قلت: فما معنى {مِنْ} في قوله: {الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ}؟ قلت: التبعيض على الوجه الأول، والتبيين على الثاني، لأنَّ المعنى: لا تصيبنكم خاصة على ظلماكم؛ لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8